" إن أراد أحد
أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني " ( لوقا 9 : 23
)
كانت فتاه جميلة في إحدى مدن إيطاليا وقد عاشت في بيت جميل سعيد حيث كان
طريق الحياة ناعماً وليناً لها ، وتزوجت في سن مبكرة من شاب جميل محبوب وأنجبت منه
ثلاثة أطفال ، وكان البيت سعيداً وكان جوّه مبهجاً ، ولكن المصائب لم تتركها ، فقد
دهمتها كارثة شديدة علي حين فجأة إذ حملوا لها زوجها يوما ميتا ، سقطت عليه شجرة في
الغابة ، وكانت التجربة قاسية حتى أنها لم تستطع أن تقبل إرادة الله ، فتمردت عليها
وصيرها ذلك جامدة وقاسيه ، وقد كافحت كفاحا عظيما لتصد الفقر عن باب عشتها فاشتغلت
ليلا ونهارا لتتمكن من إطعام وكساء أولا دها ، علي إنها كانت تفعل ذلك بروح شديدة
خاليه من الحب حتى أن نفس أولادها بدءوا يخافون منها وكانوا يجرون ليختبؤا إذا
اقتربت منهم وقت لعبهم ،
وفي إحدى الليالي أحست أنها لا تستطيع أن تحتمل
أكثر مما احتملت ولذلك صلّت قبل أن تضطجع قائلة : يا رب خذ نفسي ، هذا اكثر مما
أستطيع احتماله ،
وفي نومها رأت حلماً ، وإذا هي واقفة في غرفة ليس فيها شئ
إلا صلبان ، بعضها كبير وبعضها صغير ، البعض أبيض و الأخر أسود - وقد وقف إلى
جانبها المسيح نفسه وقال للمرأة ، اعطني صليبك الذي هو ثقيل جداً عليك واختاري
لنفسك صليباً بدله من هذه الصلبان المعلقة علي الجدار وما كادت المرأة تسمع هذه
الكلمات حتى وضعت في يدي المسيح صليبها ، صليب حزنها ، ومدت يدها أخذت صليبا بدا
صغيرا وخفيفا ، ولكنها ما أن رفعته حتى أحست انه ثقيل جدا ، أجاب السيد : هذا صليب
شابه أصيبت بالكساح في سن مبكرة وستظل كسيحة كل أيام حياتها وستعيش داخل أسوار
المستشفي لا تري الحقول ولا الطبيعة الجميلة ويندر جدا أن تري وجه صديق ، فإذا ما
عاشت عشرين سنه أخرى فستكون عشرين سنة علي فراش المرض ، وسألت السيدة : لكن لماذا
يبدو صليباً صغيراً ؟ وأجاب السيد : لأنها تحتمله من أجلي !!
وتحركت السيدة
ببطء وتناولت صليبا آخر ، كان صغيرا وكان خفيفا أيضا ولكنها ما أن امسكته حتى ألهب
يدها بنار حامية ، ومن شدة الألم صرخت وسألت إذ سقط الصليب من يدها ، صليب من هذا
يا الهي ؟ و أجاب السيد ك إنه صليب امرأة ، زوجها شرير جداً ، وهي تحتمل صليبها دون
أن تظهره مع انه يحرق كل ساعة كل قطعة من جسدها وكثيراً ما تخبئ أولادها منه لئلا
يسئ إليهم - وفي كل هذا لا تزال شجاعة وشفوقه !!
وأخيرا رفعت المرأة صليباً
آخر ، وقد ظهر أنه خفيف وصغير وغير ملتهب ، ولكنها حالما امسكته شعرت كأن جليداً
يلمس يدها ، وصرخت آه يا سيدي صليب من هذا ؟ فأجاب : هذا صليب امرأة كان لها يوماً
ستة أطفال أخذوا منها واحداً بعد آخر ، وقلبها الآن يعيش عند القبور الستة في
المقبرة !!
وقد طرحت المرأة ذلك الصليب أيضاً ، وقالت سأحتفظ بصليبي من أجلك
،
وفي الصباح ظل الحلم ثقيلاً علي نفسها ، وكان رسالة موبخة لها ، لذلك فكرت
أن تعمل علي أن تكون لطيفة نحو أولادها وخاضعة لإلهها ، ومرت الأيام ولاحظ أولادها
أن محبتها عادت إليهم مرة أخري ، وكذلك جيرانها رأوا رقتها وحاولوا ن يعينوها ،
وعادت البهجة إلى حياتها ، انسكبت نعمة الله عليها كالندي عندما أخذت صليبها وحملته
من أجله !!